ذكر من يعتمد قوله فى الجرح والتعديل


واعنَ بعلم الجرحِ والتَعْديلِ #  فإنهُ المرَقَاةُ لِلتَّفْصيلِ
بَينَ الصَحِيحِ وَالسَقِيم وَاحذَرِ #  مِن غَرَضٍ فَالجَرحُ أي خَطَرِ
ومع ذا فالنصحُ حَقٌ ولقد # أحسن يَحيى في جَوابِهِ وَسَد
لأن يكونُوا خُصَماءَ لي أحب # من كون خَصْمي المصطفى إذ لم أذُب
وربما رُدَّ كَلامُ الجَارِحِ # كالنسائي في أحمدِ بِنُ صَالِحِ
فربما كَانَ لِجَرْحٍ مَخْرَجُ # غَطَّى عَلَيِه السخطُ حِينَ يَخرُجُ

معرفة الثقات والضعفاء: وكان الأنسب أن يضم لمراتب الجرح والتعديل مع القول في اشتراط بيان سببهما، أو أحدهما، وكون المعتمد عدمه من العالم بأسبابهما، وفي التعديل على الإبهام والبدعة التي يجرح بها، وما أشبه ذلك مما تقدم في موضع واحد.

(واعن) أي اجعل أيها الطالب من عنايتك الاهتمام (بعلم الجرح) أي التجريح (والتعديل) في الرواة، فهو من أهم أنواع الحديث، وأعلاها وأنفعها (فإنه المرقاة) بكسر الميم تشبيهاً له بالآلة التي يعمل بها وبفتحها الدرجة (للتفصيل بين الصحيح) من الحديث (والسقيم)، وفي كل منهما تصانيف كثيرة، ففي الضعفاء ليحيى بن معين وأبي زرعة الرازي وللبخاري في كبير وصغير، والنسائي وأبي حفص الفلاس، ولأبي أحمد بن عدي في كامله، وهو أكمل الكتب المصنفة قبله وأجلها، ولكنه توسع لذكره كل من تلكم فيه وإن كان ثقة، ولذا لا يحسن أن يقال: الكامل للناقصين، وذيل عليه أبو الفضل ابن طاهر في تكملة الكامل، ولأبي جعفر العقيلي، وهو مفيد، وأبي حاتم بن حبان وأبي الحسن الدار قطني، وأبي زكريا الساجي، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي الفتح الأزدي، وأبي علي بن السكن، وأبي الفرج بن الجوزي، واختصره الذهبي، بل وذيل عليه في تصنيفين وجمع معظمها في ميزانه فجاء كتاباً نفيساً عليه معول من جاء بعده، مع أنه تبع ابن عدي في إيراد كل من تكلم فيه، ولو كان ثقة، ولكنه التزم أن لا يذكر أحداً من الصحابة، ولا الأئمة المتبوعين، وقد ذيل عليه المصنف في مجلد، والتقط شيخنا منه من ليس في تهذيب الكمال، وضم إليه ما فاته من الرواة والتتمات، مع انتقاد وتحقيق في كتاب سماه لسان الميزان مما كتبته وأخذته عنه وعم النفع به، بل له كتابان آخران، هما تقويم اللسان وتحرير الميزان، كما أن للذهبي في الضعفاء مختصراً سماه المغني، وآخره سماه الضعفاء والمتروكين، وذيل عليه والتقط بعضهم من الضعفاء الوضاعين فقط وبعضهم المدلسين كما مضى في بابيهما وبعضهم المختلطين كما سيأتي بعد.

وفي الثقات لأبي حاتم بن حبان، وهو احفلها لكنه يدرج فيهم من زالت جهالته عينه، بل ومن لم يرو عنه إلا واحد، ولم يظهر فيه جرح كما سلف في الصحيح الزائد على الصحيحين، وفي محمول العين أيضاً، وذلك غير كاف في التوثيق عند الجمهور، وربما يذكر فيهم من أدخله في الضعفاء إما سهواً، أو غير ذلك، ونحوه تخريج الحاكم في مستدركه لجماعة، وحكمه على الأسانيد الذين هم فيها بالصحة، مع ذكره إياهم في كتابه في الضعفاء، وقطع بمترك الرواية عنهم والمنع من الاحتجاج بهم لأنه ثبت عنده جرحهم، وللعجلي، وابن شاهين، وأبي العرب التميمي.

ومن المتأخرين الشمس محمد بن أبيك السروجي، لكنه لم يكمل، وجد منه الأحمدون فقط في مجلد وأفرد شيخنا الثقات ممن ليس في التهذيب، وما كمل أيضاً وللذهبي معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد إلى غيرها من الكتب المشتملة على الثقات والضعفاء جميعاً، كتاريخ أبي بكر بن أبي خيثمة، وهو كثير الفوائد، والطبقات لابن سعد. والتميز للنسائي، وغيرها مما ذكر بعضه في آداب الطالب، وللعماد بن كثير التكميل في معرفة الثقاف والضعفاء والمجاهيل، جمع فيه بين تهذيب المزني، وميزان الذهبي، مع زيادات، وقال: إنه من أنفع شيء للفقيه البارع وكذا المحدث. فهذه مظان الثقات والضعفاء غالباً.

ومن مظان الثقات التصانيف في الصحيح بعد الشيخين، وكذا من خرج على كتابيهما، فإنه يستفاد منها الكثير مما لم يذكر في الكتب المشار إليها، وربما يستفاد مما يوجد في بعض الأسانيد توثيق بعض الرواة كان لقول الراوي المعتمد، حدثني فلان، وكان ثقة يعين، وما أشبهه. أشار إلى ذلك ابن دقيق العيد.

(واحذر) أيها المتصدي لذلك المقتفي فيه أثر من تقدم (من غرض) أو هوى يحملك كل منها على التحامل والانحراف، وترك الإنصاف أو الإطراء والافتراء، فذلك شر الأمور التي تدخل على القائم بذلك الآفة منها، والمتقدمون سالمون منه غالباً منزهون عنه لوفور ديانتهم، بخلاف المتأخرين، فإنه ربما يقع ذلك في تواريخهم، وهو مجانب لأهل الدين وطرائفهم.

(فالجرح) والتعديل خطر لأنك إن عدلت بغير تثبت كنت كالمثبت حكماً ليس بثابت، فيخشى عليك أن تدخل في زمرة من روى حديثاً، وهو يظن أنه كذب، وإن جرحت لغير تحرز أقدمت على الطعن في مسلم بريء من ذلك، ووسمته بميسم سوء يبقى عليه عاره أبداً، وهو في الجرح بخصوصه (أي خطر) بفتح المعجمة ثم المهملة من قولهم خاطر بنفسه أي أشرف على هلاكها، فإن فيه مع حق الله ورسوله حق آدمي، وربما يناله إذا كان بالهوى، ومجانبة الاستواء الضرر في الدنيا قبل الآخرة، والمقت بين الناس، والمنافرة كما اتفق لأبي شامة، فإنه كان مع كونه عالماً راسخاً في العلم مقرئاً محدثاً نحوياً يكتب الخط المليح المتقن مع التواضع والانطراح والتصانيف العدة كثير الوقيعة في العلماء والصلحاء وأكابر الناس، والطعن عليهم والتنقص لهم وذكر مساويهم، وكونه عند نفسه عظيماً، فصار ساقطة من أعين كثير من الناس ممن علم منه ذلك وتكلموا فيه، وأدى ذلك إلى امتحانه بدخول رجلين جليلين عليه داره في صورة مستفتين فضرباه ضرباً مبرحاً إلى أن عيل صبره، ولم يغثه أحد.

ونحوه ما اتفق لبعض العصريين ممن لم يبلغ في العلم مبلغ الذي قبله بيقين فإنه أكثر الوقيعة في الناس بدون تدبر، ولا قياس، فأبعد عن البلد وتزايد به الألم والنكد، ومع ذلك فما كف حتى ثقل على الكافة وما خف، وارتقى لحجة الإسلام، فضلاً عمن يليه من الأئمة الأعلام، فلم نلبث أن مات وما اشتفى من تلك النكايات. والله تعالى يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا.

ولما في الجرح من الخطر؛ لما جيء للتقي بن دقيق العيد بالمحضر المكتتب في التقي بن بنت الأغر ليكتب فيه امتنع منها أشد امتناع مع ما كان بينهما من العداوة الشديدة، بل وأغلظ عليهم في الكلام، وقال: ما يحل له أن أكتب فيه ورده، فتزايدت جلالته بذلك، وعد في وفور ديانته وأمانته، وانتفع ابن بنت الأغر بذلك، وكيف لا والتقي هو القائل مما أحسن فيه: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام. ونحوه قول بعضهم: من أراد بي سوءاً جعله الله محدثاً أو قاضياً.

(ومع ذا) أي كون الجرح والتعديل خطراً، فلا بد منه. (فالنصح) في الدين لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين (حق) واجب ثياب (يثاب) متعاطيه إذا قصد به ذلك سواء كانت النصحية خاصة أو عامة. وهذا منه لقول الإمام أحمد لأبي تراب النخشبي حين عزله عن ذلك بقوله: لا تغتب الناس، ويحك هذه نصيحة وليست غيبة، وقد قال الله تعالى: (وقل الحق من ربكم) وأوجب الله الكشف والتبيين عند خبر الفاسق بقوله: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الجرح: (بئس أخو العشيرة) وفي التعديل (إن عبد الله رجل صالح) إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة في الطرفين.

ولذا استثنوا هذا من الغيبة المحرمة. واجمع المسلمون على جوازه، بل عد من الواجبات للحاجة إليه. وممن صرح بذلك النووي، والعز بن عبد السلام ولفظه في قواعده: القدح في الرواة واجب لما فيه من إثبات الشرع، ولما على الناس في ترك ذلك من الضرر في التحريم، والتحليل وغيرهما من الأحكام، وكذلك كل خير يجوز الشرع الاعتماد عليه والرجوع إليه، وجرح الشهود واجب عند الحكام عند المصلحة لحفظ الحقوق من الدماء والأموال، والأعراض والأبضاع والأنساب وسائر الحقوق.

وتكلم في الرجال كما قاله الذهبي، جماعة من الصحابة، ثم من التابعين، كالشعبي وابن سيرين، ولكنه في التابعين بقلة لقلة الضعف في متبوعهم إذ أكثرهم صحابة عدول، وغير الصحابة من المتبوعين أكثرهم ثقات. ولا يكاد يوجد في القرن الأول الذي انقرض في الصحابة، وكبار التابعين ضعيف إلا الواحد بعد الواحد، كالحارث الأعور، والمختار الكذاب.

فلما مضى القرن الأول ودخل الثاني كان في أوائله من أوساط التابعين جماعة من الضعفاء، الذين ضعفوا غالباً من قبل تحملهم وضبطهم للحديث، فتراهم يرفعون الموقوف ويرسلون كثيراً ولهم غلط، كأبي هارون العبدي، فلما كان عند آخر عصر التابعين، وهو حدود الخمسين ومائة تكلم في التوثيق والتضعيف طائفة من الأئمة، فقال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي. وضعف الأعمش جماعة ووثق آخرين. ونظر في الرجال شعبة، وكان متثبتاً لا يكاد يروي إلا عن ثقة، وكذا كان مالك.

وممن إذا قال سمع منه في هذا العصر قبل قوله معمر، وهشام الدستواي، والأوزاعي، والثوري، وابن الماجشون، وحماد بن سلمة، والليث، وغيرهم.

ثم طبقة أخرى بعد هؤلاء، كابن المبارك، وهشيم، وأبي إسحاق الفزاري، والمعافى بن عمران الموصلي، وبشر بن المفضل، وابن عيينة وغيرهم.

ثم طبقة أخرى في زمانهم كابن علية، وابن وهب، ووكيع.

ثم انتدب في زمانهم أيضاً لنقد الرجال الحافظان الحجنان يحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي، فمن جرحاه لا يكاد يندمل جرحه، ومن وثقاه فهو المقبول، ومن اختلفا فيه وذلك قليل اجتهد في أمره.

ثم كان بعدهم ممن إذا قال سمع منه إمامنا الشافعي، ويزيد بن هارون، وأبو داود الطيالسي، وعبد الرزاق، والفريابي، وأبو عاصم النبيل.

وبعدهم طبقة أخرى كالحميدي، والقعنبي، وأبي عبيد، ويحيى بن يحيى، وأبي الوليد الطيالسي.

ثم صنفت الكتب ودونت في الجرح والتعديل والعلل، وبين من هو في الثقة والثبت كالسارية، ومن هو في الثقة كالشاب الصحيح الجسم، ومن هو لين كمن توجعه رأسه، وهو متماسك يعد من أهل العافية، ومن صفته كمحموم ترجح إلى السلامة، ومن صفته كمريض بن شعبان من المرض، وآخر كمن سقط قواه وأشرف على التلف، وهو الذي يسقط حديثه.

وولاة الجرح والتعديل بعد من ذكرنا يحيى بن معين، وقد سأله عن الرجال غير واحد من الحفاظ، ومن ثم اختلفت آراؤه وعباراته في بعض الرجال.

كما اختلف اجتهاد الفقهاء، وصارت لهم الأقوال والوجوه، فاجتهدوا في المسائل كما اجتهد ابن معين في الرجال، ومن طبقته أحمد بن حنبل، سأله جماعة من تلامذته عن الرجال وكلامه فيهم باعتدال وإنصاف وأدب وورع.

وكذا تكلم في الجرح والتعديل أبو عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته بكلام جيد مقبول. وأبو خيثمة زهير بن حرب له كلام كثير رواه عنه ابنه أحمد وغيره، وأبو جعفر عبيد الله بن محمد النبيل حافظ الجزيرة الذي قال فيه أبو داود: لم أر أحفظ منه. وعلي بن المديني، وله التصانيف الكثيرة في العلل والرجال. ومحمد بن عبد الله بن نمير الذي قال فيه أحمد: هو درة العراق. وأبو بكر بن أبي شيبة صاحب المسند، وكان آية في الحفظ يشبه بأحمد في المعرفة. وعبيد الله بن عمر القواريري الذي قال فيه صالح جزرة: هو أعلم من رأيت بحديث أهل البصرة، وإسحاق بن راهويه إمام خراسان. وأبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ، وله كلام جيد في الجرح والتعديل، وأحمد بن صالح الطبري حافظ مصر، وكان قليل المثل، وهارون بن عبد الله الحمال. وكلهم من أئمة الجرح والتعديل.
ثم خلفهم طبقة أخرى متصلة بهم، منهم إسحاق الكوسج، والدارمي، والذهلي والبخاري، والعجلي الحافظ نزيل المغرب.

ثم من بعدهم أبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، ومسلم، وأبو داود السجستاني، وبقي بن مخلد، وأبو زرعة الدمشقي وغيرهم.

ثم من بعدهم عبد الرحمن بن يوسف بن خراش البغدادي له مصنف في الجرح والتعديل قوي النفس كأبي حاتم وإبراهيم بن إسحاق الحربي، ومحمد ابن وضاح الأندلسي حافظ قرطبة، وأبو بكر بن أبي عاصم، وعبد الله بن أحمد، وصالح جزرة وأبو بكر البزار، وأبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وهو ضعيف لكنه من أئمة هذا الشأن، ومحمد بن نصر المروزي.

ثم من بعدهم أبو بكر الفريابي، والبرديجي، والنسائي، وأبو يعلي، والحسن ابن سفيان، وابن خزيمة، وابن جرير الطبري، والدولابي، وأبو عروبة الحراني، والحسن أحمد بن عمير بن جوصا وأبو جعفر العقيلي.

ثم طبقة أخرى منهم ابن أبي حاتم، وأبو طالب أحمد بن نصر البغدادي الحافظ شيخ الدار قطني، وابن عقدة، وعبد الباقي بن قانع.

ثم من بعدهم أبو سعيد بن يونس، وابن حبان البستي، والطبراني، وابن عدي الجرجاني، ومصنفه في الرجال إليه المنتهى في الجرح كما تقدم.

ثم بعدهم أبو علي الحسين بن محمد الماسرجسي النيسابوري، وله مسند معلل في ألف وثلاثمائة جزء، وأبو الشيخ بن حبان، وأبو بكر الإسماعيلي وأبو أحمد الحاكم والدار قطني، وبه ختم معرفة العلل.

ثم بعدهم أبو عبد الله بن مندة، وأبو عبد الله الحاكم، أبو نصر الكلاباذوي، وأبو المطرف عبد الرحمن بن فطيس قاضي قرطبة، وله دلائل السنة في خمس مجلدات، وفضائل الصحابة كما أسلفته هناك؛ وعبد الغني بن سعيد، وأبو بكر ابن مردويه الأصبهاني، وتمام الرازي.

ثم بعدهم أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس البغدادي؛ وأبو بكر البرقاني؛ وأبو حازم العبدوي، وقد كتب عنه عشرة أنفس عشرة آلاف جزء، وخلف بن محمد الواسطي، وأبو مسعود الدمشقي، وأبو الفضل الفلكي، وله كتاب الطبقات في ألف جزء، وأبو القاسم حمزة السهمي، وأبو يعقوب القراب، وأبو ذر الهرويان.

ثم بعدهم أبو محمد الحسن بن محمد الخلال البغدادي، وأبو عبد الله الصوري، وأبو سعد السمان، وأبو يعلي الخليلي.

ثم بعدهم ابن عبد البر، وابن حزم الأندلسيان، والبيهقي، والخطيب. ثم أبو القاسم سعد بن محمد الزنجاني، وشيخ الإسلام الأنصاري، وأبو صالح المؤذن وابن ماكولا، وأبو الوليد الباجي، وقد صنف في الجرح والتعديل، وكان علامة حجة، وأبو عبد الله الحميدي، وابن مفوز المعافري الشاطبي. ثم أبو الفضل ابن طاهر المقدسي، وشجاع بن فارس الذهلي، والمؤتمن بن أحمد بن علي الساجي وشيرويه الديلمي الهروي، مصنف تاريخ هراة وأبو علي الغساني.

ثم بعدهم أبو الفضل بن ناصر السلامي، والقاضي عياض، والسلفي وأبو موسى المديني، وأبو القاسم بن عساكر، وابن بشكوال.

ثم بعدهم عبد الحق الإشبيلي، وابن الجوزي، وأبو عبد الله بن الفخار المالقي وأبو القاسم السهيلي.

ثم أبو بكر الحازمي، وعبد الغني المقدسي، والرهاوي، وابن مفضل المقدسي.

ثم بعدهم أبو الحسن بن القطان، وابن الأنماطي، وابن نقطة، وابن الدبيثي وابن خليل الدمشقي، وأبو بكر بن خلفون الأزدي، وابن النجار. ثم الزكي المنذري، والبرازلي، ولاصريفيني والرشيد العطار، وابن الصلاح، وابن الأبار، وابن العديم، وأبو شامة، وأبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي وابن الصابوني.

ثم بعدهم الدمياطي، وابن الظاهري، والميدومي والد الصدر، وابن دقيق العيد، وابن فرج. وعبيد الأسعردي.

ثم بعدهم سعد الدين الحارثي، والمزي، وابن تيمية، والذهبي، وصفي الدين القرافي، وابن البرازلي، والقطب الحلبي، وابن سيد الناس. في آخرين من كل طبقة، منهم من شيوخ شيوخنا المصنف، ثم تلميذه شيخنا، وفاق في ذلك على جميع من أدركه، وطوى البساط بعده إلا لمن شاء الله ختم لنا بخير، فعدلوا وجرحوا، ووهنوا، وصححوا ولم يحابوا أباً، ولا ابناً، ولا أخاً، حتى إن ابن المديني سئل عن أبيه؟ فقال: سلو عنه غيري، فأعادوا فأطرق، ثم رفع رأسه فقال: هو الدين؛ إنه ضعيف.

وكان وكيع بن الجراح لكون والده كان على بيت المال يقرن معه آخر إذا روى عنه.
وقال أبو داود صاحب السنن ابني عبد الله كذاب، ونحوه قول الذهبي في ولده أبي هريرة: إنه حفظ القرآن، ثم تشاغل عنه حتى نسيه. وقال زيد بن أبي: أنيسة كما في مقدمة مسلم: لا تأخذوا عن أخي يعني يحيى المذكور بالكذب.

نعم في الخلفاء وآبائهم وأهليهم كما قاله الذهبي في ترجمة داؤد بن علي بن عبد الله بن عباس من تاريخ الإسلام له قوم أعرض أهل الجرح والتعديل عن كشف حالهم خوفاً من السيف والضرب. قال: وما زال هذا في كل دولة قائمة يصف المؤرخ محاسنها، ويغضي عن مساويها، هذا إذا كان ذا دين وخير، فإن كان مداحاً مداهناً لم يلتفت إلى الورع، بل ربما أخرج مساوئ الكبير وهناته في هيئته المدح والمكارم والعظمة فلا قوة إلا بالله.

ولا شك أن في المتكلمين ذلك من المتأخرين من كان من الورع بمكان كالحافظ عبد الغني صاحب الكمال في معرفة الرجال المخرج لهم في الكتب الستة الذي هذبه المزي، وصار كتاباً حافلاً، عليه معول من جاء بعده، واختصره شيخنا وغيره، ومن المتقدمين من لم يشك في ورعه كالإمام أحمد، بل قال: إنه أفضل من الصوم والصلاة. وابن المبارك فإنه قال: لو خيرت بين أن أدخل الجنة، وبين أن ألقى عبد الله بن المحرر، لاخترت أن ألقاه، ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه.

وابن معين مع تصريحه بقوله إنا لنتكلم في أناس قد حطوا رحالهم في الجنة. والبخاري القائل: وما اغتبت أحداً مذ علمت أن الغيبة حرام. وحجتهم التوصل بذلك لصون الشريعة، وأن حق الله ورسوله هو المقدم.

Post a Comment

0 Comments